الصفحات

الفصل التمهيدي
مدخل الدراسة
                                                               
     الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
     يعتبر الإمام أبو الحسن الماوردي علم من أعلام التربية الإسلامية ، ومفكر تربوي له آراء ونظرات في التربية والتعليم جديرة بالاهتمام بها ودراستها ، وليس بمستغرب أن تجد العديد من الباحثين قد عنوا بمؤلفات الماوردي دراسة وتحليلاً ، والكشف عن منهج هذا العالم الفاضل وآراؤه القيمة ، وأثروا المكتبات الإسلامية بالعديد من المؤلفات التربوية كانت نتائج دراسات وتحقيق لمؤلفات الماوردي ، وابرزت دور علماء المسلمين الأوائل في تناول المواضيع المتعلقة بالتربية والتعليم ومعالجة القضايا التربوية ، وتصنيفهم لمؤلفات متخصصة تتناول
      وقد استفاد الباحثون اليوم من مؤلفات علماء المسلمين الأوائل في تأصيل المناهج التربوية  ، وبيان مقاصد الشريعة الاسلامية في تربية وتهذيب الإنسان المسلم ليكون انساناً صالحاً نافعاً لدينه ووطنه .
      وكتاب الماوردي :  أدب الدنيا والدين  ، يعتبر من أبرز المصادر الأولية الإسلامية التي تناولت جملة من المواضيع الأدبية والتربوية  من منظور اسلامي ، أبرز فيها المؤلف مهارته الفائقة في الاستنباط والاستدلال ، وساعده في ذلك سعة علمه واطلاعه ،  ووفرة معلوماته ، وغزارة فكره ، فأخرج لنا هذا السفر المميز ، والذي أضحى مرجعاً أساسياً لعلماء الشريعة والتربية الاسلامية وعلى مر القرون والأزمان ، وحتى وقتنا الحالي ، ولا يستغني عنه العالم وطالب العلم من قراءة محتويات هذا الكتاب ودراسته ، والاستفادة من التوجيهات والنصائح والإرشادات الهامة التي أبدع في تأليفها وكتابتها عالمنا الفذ : الماوردي .

       ونظراً لأهمية هذا الكتاب التربوي : أدب الدنيا والدين ، فقد قام العديد من الباحثين بدراسة الآراء والأفكار التربوية لهذا الكتاب البديع في فنه من جميع النواحي التربوية .  
       واستكمالاً لجهود هؤلاء الباحثين ، فقد عكف الباحث على دراسة هذا الكتاب من خلال رؤية خاصة له يستنبط من خلالها أبرز الآراء والمبادئ التربوية الموجودة في هذا الكتاب، يأمل من خلاله إثراء الفكر التربوي بتجارب وخبرات الماوردي التربوية وتأصيل الفكر التربوي الإسلامي بجذور علمائنا السابقين .
       وقد اعتمد الباحث في استخلاص الآراء التربوية بحسب ترتيب الماوردي لفصول الكتاب من خلال إبراز الآراء التربوية للماوردي في كل فصل على وجه العموم ، دون التعمق في المضامين والتفاصيل الدقيقة ، فهذا بحد ذاته يحتاج إلى جهد كبير ، وفريق عمل مختص يستخلص مكنون وفوائد وخبرات الماوردي التربوية في هذا الكتاب المفيد .

موضوع البحث :
    يعتبر كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي من أهم كتب التراث الإسلامي القديم الذي تناول الجوانب التربوية ( الأدب والأخلاق ) حسب مفهوم ذلك العصر .
وقد قام العديد من العلماء والباحثين بدراسة شخصية الإمام الماوردي وآراؤه من خلال كتبه ومصنفاته المتنوعة في مختلف التخصصات ، ومن أهم مصنفات الماوردي التي اشبعت دراسة وبحثاً كتاب : أدب الدنيا والدين .
ويحاول الباحث استنباط بعض الآراء التربوية من هذا الكتاب القيم للعالم الفذ الماوردي مستفيداً من الدراسات السابقة التي تناولت هذا الموضوع .

أسئلة البحث :
     يحاول الباحث في هذه الدراسة الإجابة على السؤال الرئيس :
ما الآراء التربوية للإمام الماوردي التي سطرها في كتابه أدب الدنيا والدين ؟
ويتفرع من هذا السؤال الرئيس الأسئلة الفرعية التالية :
1-             ما أهم الملامح الشخصية التربوية للإمام الماوردي ؟
2-             ما الآراء التربوية المستنبطة من كتاب الإمام الماوردي : أدب الدنيا والدين ؟
3-             إلى أي مدى يمكننا الاستفادة من الآراء التربوية للإمام الماوردي ؟

أهداف البحث :
     يهدف الباحث من خلال هذا البحث إلى جملة من الأهداف هي في مجملها إجابات للتساؤلات التي طرحها على أسئلة الدراسة وهي :
1-             التعرف على ملامح من شخصية العالم الماوردي التربوي .
2-             التعرف على الآراء التربوية للإمام الماوردي من خلال كتابه : أدب الدنيا والدين .
3-             توضيح مدى إمكانية الاستفادة من الآراء التربوية للإمام الماوردي في واقع العملية التربوية لبيئاتنا التربوية .

أهمية البحث :
     تبرز أهمية هذا البحث في كونه يتناول دراسة شخصية إسلامية يعد من أبرز علماء الشريعة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، الذي استطاع أن يقوم بتوظيف علمه الشرعي في جميع مجالات الحياة الإنسانية العلوم الإسلامية ، الاقتصاد ، السياسة ، التربية ، حتى أصبح نتاجه العلمي من المؤلفات القيّمة مصدراً أساسياً للعلماء والباحثين في شتى مجالات العلوم الشرعية والتربوية ، وتناول الباحثين مؤلفاته بحثاً ودراسة وتحليلاً ، كل حسب اختصاصه ، وأخرجوا لنا نتاجاً علمياً كشفوا من خلاله مدى ما تميز به الإمام الماوردي من مكانة علمية عالية ، ومنزلة رفيعة من العلم الغزير، والذكاء الوافر .
ورغبة من الباحث في إبراز الفكر التربوي للإمام الماوردي ، اقتصرت هذه الدراسة في البحث عن الآراء التربوية للإمام الماوردي ، والخروج ببعض الفوائد والتطبيقات التربوية للاستفادة منها في العملية التربوية والتعليمية .

منهج البحث :
     استخدم الباحث في دراسته المنهج الوصفي التحليلي من خلال دراسة سيرة الإمام الماوردي، ودراسة كتابه : « أدب الدنيا والدين » ، وتحليل محتوى هذا الكتاب ، واستنباط أبرز الآراء التربوية للإمام الماوردي في هذا الكتاب .

حدود البحث :
اقتصر الباحث في دراسته على إبراز جهود العالِم أبي الحسن الماوردي التربويَّة، الذي عاش في الفترة ما بين (364 - 450 هـ / 974 - 1058 م) ، وذلك من خلال كتابه التربوي : « أدب الدنيا والدين » .

مصطلحات البحث :
الرأي في اللغة : « الاعتقاد اسم لا مصدر والجمع آراء » (ابن منظور، 1419هـ ،  ج 5، ص91)
وهو أيضاً: « العقل و التدبير و النظر و التأمل و يقال رأيته رأي العين حيث يقع عليه البصر ، والرأي عند الأصوليين  استنباط الأحكام الشرعية في ضوء قواعد مقررة »( مصطفى ، إبراهيم وآخرون 1392هـ ، ج1 ، ص320)
أما الآراء التربوية اصطلاحاً فقد عرفها علي عبدالحليم بأنها : « جهود علماء التربية المسلمين للوصول إلى الحقائق التربوية والمعارف التي لها وزنها وأهميتها في هذا المجال » (خليل ، 1423هـ ، ص10)
عرفتها طيبة واجي: « الأفكار والتصورات المتكاملة لتنمية الإنسان من جميع جوانبه المختلفة » (أحمد ، 1424هـ ، ص11)
ويعرف الباحث الآراء التربوية تعريفاً إجرائياً بأنه : جهود علماء التربية الإسلامية للوصول إلى المعارف والمبادئ التربوية ؛ لتنمية الإنسان من جميع جوانبه المختلفة .

الدراسات السابقة :
     من خلال اطلاع الباحث على المقالات والرسائل العلمية المتخصصة في التربية الاسلامية ، والمتوفرة – بحمد الله تعالى - في قاعدة المعلومات بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة ، وجامعة أم القرى ، والمكتبة الرقمية السعودية ،اطلع الباحث على بعض الدراسات التي لها علاقة مباشرة بموضوع البحث ، واكتفى بثلاث دراسات استفاد منها في موضوع البحث ، في حين لم يهمل الباحث بقية الدراسات الأخرى والتي تناولت الجوانب الأخرى من شخصية الماوردي ، وكتاباته المختلفة في شتى التخصصات العلمية.
وفيما يلي الدراسات السابقة لموضوع البحث مرتبة حسب تاريخ النشر بدءاً بالأقدم وهي على النحو التالي  :
أولاً : دراسة الجيزاني ، خديجة (1407هـ ) بعنوان : « الآراء التربوية للماوردي من خلال كتابه أدب الدنيا والدين دراسة تحليلية نقدية » ( الجيزاني ، 1407هـ)
الهدف من الدراسة :
1- تنمية الولاء للعقيدة والفكر الاسلامي .
2- الحفاظ على التراث الاسلامي من خلال دراسة آراء وأفكار المربين المسلمين.
3- التعريف بفكر الماوردي من حيث :
                                             أ‌-        أهمية العلم
                                          ب‌-     الأسس التي ينبغي أن يسير عليها العلماء في معاملة المتعلمين .
                                          ت‌-     أداب العلماء
                                          ث‌-     أداب المتعلمين
                                          ج‌-      أخلاق المسلم .
أبرز نتائج الدراسة :
1-    توصلت الباحثة إلى أن آراء الماوردي صالحة لكل زمان ومكان لأنها مستمدة من المبادئ الإسلامية .
2-    ترجوا الباحثة أن تقوم المؤسسات التربوية بدراسة هذه الآراء وامكانية تأصيلها في التربية المعاصرة ، والعمل على تطبيقها والاستفادة منها .


ثانياً : دراسة مصطفى ،علي خليل (1411هـ ) بعنوان : « قراءة تربوية في فكر أبي الحسن البصري الماوردي من خلال كتاب أدب الدنيا والدين »(مصطفى ،1411هـ )
الهدف من الدراسة :
1-             الاسهام في إنماء الذات الفكرية والعلمية والتربوية المتميزة ، وذلك بربطها ربطاً واعياً بتيار التاريخ الفكري والوجداني والروحي .
2-             إذكاء روح الإقبال على الفكر الماضي وحصيلته التربوية لغربلتها وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها .
3-             المشاركة في الدفع نحو الاقبال على الجديد ، بلا خوف أو تخوف ، بلا محاذير أو تحذر ، إ ليس من طبع الأصالة الإسلامية الخوف من الجديد .
أبرز نتائج الدراسة :
1-    إن الكتابات التربوية والأفكار التربوية والتعليمية لدى المفكرين المسلمين ، ربما تأتي منفصلة ، وربما تأتي منبثة في الفكر وفي ثناياه وتحتاج إلى قراءة متمعنة واعية .
2-    إن ما ورد في فكر الماوردي من أفكار تربوية ، يسهم في دفع التيار الفكري التربوي العام ، ولكن الرجل مثله مثل كثير من المفكرين المسلمين لم ينل حظاً كافياً من العناية في هذا الجانب .
3-   إن هناك الكثير من الأفكار والجوانب لدى الماوردي وغيره تحتاج إلى توسع في الدراسة ، وتدقيق في القراءة ، فالإنتاج والاجتهادات في هذا المجال كثيرة لا تعد ولا تحصى .


ثالثاً : دراسة القاضي ، سعيد (2001م ) بعنوان : « الآراء التربوية للماوردي كما جاءت بكتبه أدب الدنيا والدين  » (القاضي ، 2001م ، المجلد17،العدد2 )

الهدف من الدراسة :
1-    إبراز أهم الآراء التربوية للإمام الماوردي كما جاءت بكتابه أدب الدنيا والدين ، وذلك من الجوانب التالية :
        مكانة العلم  - الهدف من طلب العلم  -  أنواع العلوم  -  جوانب التربية
        أساليب التعليم  -  أداب المتعلم وجوانبه  -  شروط تحصيل العلم
        أداب العالم ( المعلم )   -  وسائل البحث عند الماوردي
2-      استخلاص لأهم المبادئ التربوية للإمام الماوردي لإمكان الاستفادة منها وتطبيقها في مجالات التربية والتعليم .

أبرز نتائج الدراسة :
لم يذكر الباحث نتائج دراسته في البحث ، ولكن يمكن إجمالها من خلال استخلاصه لأبرز ما نادى به الماوردي من مبادئ تربوية

تناولت الدراسات السابقة الفكر التربوي للماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين من خلال ما يلي :
1- ( الجيزاني ، 1407هـ) : التعريف بآراء الماوردي من حيث :أهمية العلم ، الأسس التي ينبغي أن يسير عليها العلماء في معاملة المتعلمين ،أداب العلماء ، أداب المتعلمين ،أخلاق المسلم .
2-(مصطفى ،1411هـ ) : التعريف بفكر الماوردي من حيث : التكليف والفكر والمعرفة والأخلاق والمجتمع وأهداف التربية والتعليم والتعلم .
3-(القاضي ، 2001م ) : التعريف بآراء الماوردي من حيث : مكانة العلم ، الهدف من طلب العلم ، أنواع العلوم ، جوانب التربية أساليب التعليم  ، أداب المتعلم وجوانبه  ، شروط تحصيل العلم .


     أما في هذه الدراسة الحالية ، فقد تناول الباحث الآراء التربوية للماوردي من خلال عناوين فصول الكتاب ( أدب الدنيا والدين ) ، واستنباط أهم الآراء التربوية للماوردي في محتويات كل فصل ، ولم يكن بإمكان الباحث استيعاب جميع الآراء التربوية التي ضمنها الماوردي في كتابه ، والذي يعتبر بحق موسوعة علمية وتربوية تحتاج إلى جهود وتضافر العلماء والباحثين في استخراج جميع الآراء التربوية التي حواها كتاب الماوردي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق