الفصل الثاني
الآراء
التربوية للماوردي في فضل العقل وذم الهوى
بدأ الماوردي رحمه الله في كتابه بباب في
فضل العقل وذم الهوى (الماوردي ، 1405هـ ،ص6 ) ، استعرض من خلاله دراسة العقل من خلال الرؤية
الإسلامية والاستدلال بالكتاب والسنة وتوجيهات
الأئمة في القرون الثلاثة الأولى.
واهتم
الماوردي بموضوع العقل في كتابه ، وبدأ به قبل البدء بباب فضل العلم لأهميته
التربوية ، فهو يضع العقل في الذروة من الملكات والطاقات بعد معرفة الله سبحانه
وتعالى .
أولاً : العقل
أس الفضائل وينبوع الآداب ( المصدر السابق ، ص7 )
فالعقل من أعظم النعم
التي وهبه الله تعالى للإنسان ،وميزه عن سائر الحيوانات ، وأسقط الله تعالى
الواجبات والتكاليف عن المجنون وفاقد العقل ، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول اللهr قال : « رفع القلم عن ثلاثة
عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق قال أبو بكر
في حديثه وعن المبتلى حتى يبرأ » ( رواه ابن ماجه ، قال الألباني : صحيح )
فبالعقل تعرف حقائق الأمور
، ويفصل بين الحسنات والسيئات ( الماوردي ، 1405هـ ،ص8 )
أقسام
العقل عند الماوردي :
قسم الماوردي العقل إلى
قسمين :
1-
« العقل
الغريزي ( هو العقل الجبلي، والطبيعي، وهو العقل الحقيقي ، زين الدين المناوي ، ص138 ) : العقل الحقيقي ، وله حد
يتعلق به التكليف لا يجاوزه إلى زيادة ، ولا يقصر عنه نقصان ، وبه يمتاز الإنسان
عن سائر الحيوان ، فإذا تم في الإنسان سمي عاقلاً ، وخرج به إلى حد الكمال » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص8 )
2-
« العقل المكتسب ( المكتسب: بفتح السين
اسم مفعول من اكتسب الشيء إذا حصل عليه ، مجم لغة الفقهاء ، ص455 ) : هو نتيجة العقل الغريزي ، وهو نهاية المعرفة وصحة السياسة ، وإصابة الفكرة
، وليس لهذا حد لأنه ينمو إن استعمل ، وينقص إن أهمل ، ونماؤه يكون بأحد وجهين :
أ-
كثرة التجارب وممارسة الأمور .
ب- يكون بفرط الذكاء وحسن
الفطنة » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص10 )
بعد بيان نوعي العقل
الإنساني ، يبين الماوردي أن نمو العقل المكتسب لا يحدث إلا بامتزاج نوعي العقل
الغريزي والمكتسب فيقول : « فإذا امتزج العقل المكتسب بالعقل الغريزي صارت نتيجتهما نمو العقل المكتسب » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص11)
والعقل
المكتسب عند الماوردي يعمل في ضمن نطاق العقل الغريزي وتحت سيطرته ، و لا يمكن
انفكاكهما عن بعضهما ، وقد ينفكان عن بعضهما في بعض الحالات ، فيحدث نتيجة لذلك أن
يفقد الانسان السيطرة على سلوكه وتصرفاته فيصبح كالأحمق الذي لا توجد حيلة
لمداواته .
يقول
الماوردي في ذلك : « العقل المكتسب لا ينفك عن
العقل الغريزي ؛ لأنه نتيجة منه ، وقد ينفك العقل الغريزي عن العقل المكتسب ،
فيكون صاحبه مسلوب الفضائل موفور الرذائل كالأنوك ( الأنوك : الأحمق والعاجز الجاهل والعيي في كلامه
) ، الذي لا تجد له فضيلة ، والأحمق الذي قلما يخلو من رذيلة » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص20)
ثانياً : الهوى
صاد عن الخير، ومضاد للعقل (الهوى : الميل والعشق
، ويكون في الخير والشر ، وميل النفس إلى الشهوة ، والنفس المائلة إلى الشهوة )
الهوى من الأخلاق الذميمة ، وقد أمرنا
الله تعالى في كتابه الكريم باتباع شرع الله ، وسنة نبيهr ، والنهي عن اتباع الهوى ، قال تعالى : ) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ( (سورة النازعات : 40 )
فالهوى عند الماوردي : « ينتج من الأخلاق قبائحها
، ويظهر من الأفعال فضائحها ، ويجعل ستر المروءة مهتوكاً ، ومدخل الشر مسلوكاً » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص23)
تأثير
الهوى على العاقل :
يبين الماوردي أن للهوى تأثير بالغ على
النفس ، فعندما يستحكم على العقل ويسيطر عليه ، يستحيل في هذه اللحظة اجتماع
الحكمة مع الهوى ،وتأثير ذلك من وجهين :
الوجه
الأول : « يقوى سلطان الهوى بكثرة
دواعيه حتى تستولي عليه غلبة الهوى والشهوات فيكل العقل عن دفعها ، ويضعف عن منعها
، مع وضوح قبحها في العقل المقهور بها، وهذا يكون في الأحداث أكثر ، وعلى الشباب
أغلب لقوة شهواتهم وكثرة دواعي الهوى المتسلط عليهم » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص26)
يبين الماوردي في الوجه الأول ، حال الصراع بين الهوى والعقل ، وعند تغلب
سلطان الهوى على العقل ، فإنه يضعف عن دفعها ومنعها ، وتصبح النفس أسيرة للشهوات ،
وأكثر من يقع فريسة تسلط الهوى على العقل هم الأحداث والشباب ، وقد وردت التوجيهات
النبوية للشباب بكبح جماع شهوة الجنس بالزواج عن عبد الله بن مسعود t قال : كنا مع النبي r فقال : « يا
معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع
فعليه بالصوم فإنه له وجاء » ( رواه البخاري ، 2/4778 ، ومسلم ،
1/3466 )
الوجه
الثاني : أن يزين الهوى للعقل الأشياء
القبيحة أنها حسنة ، ويلبّس عليه سوء عمله فيرى الأعمال السيئة حسنة ، والضرر
نفعاً ، وفي ذلك يقول الماوردي : « أن يخفي الهوى مكره ، حتى تتموه أفعاله على العقل ، فيتصور القبيح حسناً ،
والضرر نفعاً ، وهذا يدعو إليه أحد شيئين :
1-
إما أن يكون للنفس ميل إلى ذلك الشيء فيخفى عليه القبيح
لحسن ظنها وتتصوره حسناً لشدة ميلها .
2-
استثقال الفكر في تمييز ما اشتبه وطلب الراحة في اتباع ما
يسهل حتى يظن أن ذلك أوفق أمريه وأحمد حاليه ، اغتراراً بأن الأسهل محمود والأعسر
مذموم ، فلن يعدم أن يتورط بخدع الهوى ، وزينة المكر في كل مخوف حذر ، ومكروه عسر » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص28)
وعلاج غلبة الهوى على العقل عند الماوردي
: « أن يجعل فكر قلبه حكماً
على نظر عينه ، فإن العين رائد الشهوة ، والشهوة من دواعي الهوى ، والقلب رائد
الحق ، والحق من دواعي العقل » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص29)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق