الصفحات

الفصل الخامس

الآراء التربوية للماوردي في أدب الدنيا


أولاً : أسباب صلاح الدنيا
       يرى الماوردي أن الدنيا لا تصير أحوالها منتظمة ، وأمورها ملتئمة  إلا إذا تحققت أسبابها ، ومن هذه الأسباب :
1-      الدين المتبع : « لأنه يصرف النفوس عن شهواتها ، ويعطف القلوب عن إرادتها ، حتى يصير قاهراً للسرائر ، زاجراً للضمائر ، رقيباً على النفوس في خلواتها ، نصوحاً لها في ملماتها ، وهذه الأمور لا يوصل بغير الدين إليها ، ولا يصلح الناس إلا عليها » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص148)

2-     السلطان القاهر : « تتألف من رهبته الأهواء المختلفة ، وتجتمع لهيبته القلوب المتفرقة ، وتكف بسطوته الأيدي المتغالبة ، وتمتنع من خوفه النفوس العادية ؛ لأن في طباع الناس من حب المغالبة على ما آثروه والقهر لمن عاندوه ، ما لا ينكفون عنه إلا بمانع قوي ، ورادع ملي » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص149)

3-             العدل الشامل :لأنه « يدعو إلى الألفة ، ويبعث على الطاعة ، وتتعمر به البلاد ، وتنمو به الأموال ، ويكثر معه النسل ، ويأمن به السلطان .فقد قال المرزبان لعمر ، حين رآه وقد نام متبذلاً : عدلت فأمنت فنمت .
وليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور ؛ لأنه ليس يقف على حدٍّ ولا ينتهي إلى غايةٍ ، ولكل جزءٍ منه قسط من الفساد حتى يستكمل » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص153)


4-             الأمن العام : « تطمئن إليه النفوس وتنتشر فيه الهمم ، ويسكن إليه البريء ، ويأنس به الضعيف .فليس لخائفٍ راحةٌ ، ولا لحاذرٍ طمأنيَنة » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص157)
5-             خصب الدار : « تتسع النفوس به في الأحوال وتشترك فيه ذو الإكثار والإقلال ؛ فيقل في الناس الحسد ، وينتفِي عنهم تباغض العدم ، وتتسع النفوس في التوسع ، وتكثر المواساة والتواصل ، وذلك من أقوى الدواعي لصلاح الدنيا وانتظام أحوالها ، ولأن الخصب يؤول إلى الغنى والغنى يورث الأمانة والسخاء » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص159)

ثانياً : الألفة بين الناس
الألفة : الاجتماع و الالتئام ، وهي وشيجة بين شخصين أو أكثر يحدثها تجاذب الميول النفسية كصلة الصداقة و لحمة القرابة ( مصطفى، إبراهيم وآخرون ،1392هـ ، ج1،ص50)
       يبين الماوردي أن الإنسان لا بد من أن يكون آلفاً مألوفاً لكي يسلم من الأعادي والحساد ، وفي هذا المعنى يقول الماوردي : « الإنسان مقصود بالأذية ، محسود بالنعمة ، فإذا لم يكن آلفاً مألوفاً ، تخطفته أيدي حاسديه ، وتحكمت فيه أهواء أعاديه ، فلم تسلم له نعمة ، ولم تصف له مدة ، فإذا كان آلفاً مألوفاً ، انتصر بالألفة على أعاديه ، وامتنع من حاسديه ، فسلمت نعمته منهم ، وصفت مدته عنهم » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص162)

أسباب الألفة :
يرى الماوردي أن الألفة والمحبة بين الناس ، لا تتحقق إلا إذا توفرت الأسباب الداعية لها ، ومن هذه الأسباب :
1-     الدين : «  لأنه يبعث على التناصر ، ويمنع من التقاطع والتدابر ، وعلى حسب التآلف على الدين تكون العداوة فيه إذا اختلف أهله ، فإن الإنسان قد يقطع في الدين من كان به باراً ، وعليه مشفقاً » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص163)

2-     النسب : « لأَن تعاطف الأرحام وحمية القرابة يبعثان على التناصر والألفة ، ويمنعان من التخاذل والفرقة ، أنفةً من استعلاء الأباعد على الأقارب ، وتوقيا من تسلط الغرباء الأجانب » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص164)

3-             المصاهرة : « لأنها استحداث مواصلةٍ ، وتمازج مناسبةٍ ، صدرا عن رغبةٍ واختيارٍ ، انعقدا على خيرٍ وإيثارٍ ، فاجتمع فيها أسباب الألفة ومواد المظاهرة » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص169)
4-             المؤاخاة بالمودة : « لأنها تكسب بصادق الميل إخلاصاً ومصافاةً ، ويحدث بخلوص المصافاة وفاء ومحاماة ،وهذا أعلى مراتب الألفة ، ولذلك آخى رسول اللهr بين أصحابه ؛ لتزيد ألفتهم ، ويقوى تظافرهم ،وتناصرهم » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص175)


5-            البر : « لأنه يوصل إلى القلوب ألطافًا ، ويثنيها محبةً وانعطافًا، ولذلك ندب اللَّه تعالى إلى التعاون به وقرنه بالتقوى له فقال : )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ( ( سورة المائدة : 2 )، لأن في التقوى رضى اللّه تعالى ، وفي البر رضى الناس ،ومن جمع بين رضى اللَّه تعالى ورضى الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص196)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق