الصفحات

الفصل  الثالث

الآراء التربوية للماوردي في أدب العلم


أولاً : العلم أشرف ما رغب فيه الراغب
        يقول الماوردي : « اعلم أن العلم أشرف ما رغب فيه الراغب ، وأفضل ما طلب وجد فيه الطالب ، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب ، لأن شرفه ينم على صاحبه ، وفضله ينمي عند طالبه » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص33 )  
       بدأ الماوردي ببيان شرف العلم وفضله ، وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على فضل العلم وشرف أهله ، وفضل التفقه في الدين ، وما يترتب على ذلك من الخير العظيم والأجر الجزيل ، وحسبنا في ذلك قول الله تعالى :  )شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ( سورة آل عمران : 18 )


ثانياً : أفضل العلوم :
       بدأ الماوردي ببيان أفضل العلوم التي ينبغي للمسلم أن يتعلمها ، ولا يسعه الجهل بها ، وقد قسم الماوردي أفضلية العلوم إلى قسمين :
القسم الأول : « أولى العلوم وأفضلها علم الدين ؛ لأن الناس بمعرفته يرشدون ، وبجهله يضلون ، إذ لا يصح أداء عبادة جهل فاعلها صفات أدائها ، ولم يعلم شروط إجزائها » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص33 )  
وهذا العلم الذي ذكره الماوردي ، هو العلم الواجب على كل مسلم بالغ عاقل أن يتعلمه ، فيتعلم ما أوجبه الله عليه وما حرمه الله عليه ، حتى يعبد الله تعالى على علم وبصيرة .
القسم الثاني : « جملة العلم إذا لم يقم بطلبه من فيه كفاية . وإذا كان علم الدين قد أوجب الله تعالى فرض بعضه على الأعيان ، وفرض جميعه على الكفاية ، كان أولى مما لم يجب فرضه على الأعيان ولا على الكفاية .
يقصد الماوردي بالقسم الثاني من أقسام العلم هو بقية العلم الشرعي الذي هو من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط الاثم عن الباقين ، ومن ذلك قول الله تعالى : )وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ( ( سورة التوبة : 122 )
ويدخل في هذا المعنى العلوم الدنيوية الضرورية لخدمة الأمة والمجتمع .


ثالثاً : الامتناع عن طلب العلم :
يبين الماوردي الأسباب التي تجعل الإنسان يمتنع عن طلب العلم فيقول :
1-             « ربما امتنع الانسان من طلب العلم لكبر سنه ، واستحيائه من تقصيره في صغره أن يتعلم في كبره، فرضي بالجهل أن يكون موسوماً به ، وآثره على العلم أن يصير مبتدئاً به ، وهذا من خدع الجهل ، وغرور الكسل ، لأن العلم إذا كان فضيلة ، فرغبة ذوي الأسنان فيه أولى ، والابتداء بالفضيلة فضيلة ، ولأن يكون شيخاً متعلماً أولى من أن يكون شيخاً جاهلاً ( الماوردي ، 1405هـ ،ص44)  
فليس لكبير السن عذر عن امتناعه لطلب العلم ، ولا يقبل تبريره لهذا العذر أبداً ،   وعلى المسؤولين عن التعليم المبادرة بفتح المجال لكبار السن بالتعليم وتشجيعهم على ذلك ، وبذلك الجهود القصوى لرفع الجهل عنهم ، فأمة جميع أفرادها متعلمون ، خير من أمة تقاعس بعض أفرادها عن طلب العلم وإزالة غشاوة الجهل وعمامة التخلف عن عقولهم .

2-             « وربما امتنع من طلب العلم لتعذر المادة ، وشغله اكتسابها عن التماس العلم ، وهذا عيب وشهوة مستعبدة ، فينبغي أن يصرف للعلم خطاً من زمانه ، فليس كل الزمان زمان اكتساب ، ولا بد للمكتسب من أوقات استراحة ، وأيام عطلة ، ومن صرف كل نفسه إلى الكسب حتى لم يترك لها فراغاً إلى غيره ، فهو من عبيد الدنيا وأسراء الخرص » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص45)  
يبين الماوردي أن بعض الناس قد يتعذر عن طلب العلم بحجة كسب المال والتجارة والعمل ، وهذا العذر غير مقبول ، فبإمكان هذا الإنسان أن يتعلم ويجتهد في طلب العلم في أوقات فراغه وإجازته ، فطلب العلم من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد لربه .

3-     « وربما منعه من طلب العلم ما يظنه من صعوبته ، وبعد غايته ، ويخشى من قلة ذهبه وبعد فطنته ، وهذا الظن اعتذار ذوي النقص ، وخيفة أهل العجز ؛ لأن الأخبار قبل الاختبار جهل ، والخشية قبل الابتلاء عجز » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص45)  
وبعض الناس يظن أن طلب العلم أمر شاق وفيه صعوبة ، فهو يتعذر بهذا
العذر ليتهرب عن طلب العلم ، ويظن أنه بهذا الهروب سيكون معذوراً ،
وليس ذلك بعذر ، فطلب العلم فريضة على كل مسلم ، عن أنس بن
مالكt  قال : قال رسول الله r : « طلب العلم فريضة على كل
مسلم » ( رواه ابن ماجه ،220 ، وصححه الألباني )

رابعاً : للعلوم أوائل ، تؤدي إلى أواخرها ، ومداخل تفضي إلى حقائقها
       يقول الماوردي : « فليبتدئ طالب العلم بأوائلها ، لينتهي إلى أواخرها ،وبمداخلها ليفضي إلى حقائقها ، ولا يطلب الآخر قبل الأول ، ولا الحقيقة قبل المدخل ، فلا يدرك الآخر ، ولا يعرف الحقيقة ؛ لأن البناء على غير أس لا يبني ، والثمر من غير غرس لا يجني »  ( الماوردي ، 1405هـ ،ص53)  
       هنا ينصح الماوردي طالب العلم المبتدئ ، البدء بأوائل العلوم في كل فن ، فالعلم له أصوله وقواعده ، فلا يقوم أساسه إلا بتلك القواعد ، وهو ما متعارف عند العلماء بالمتون ، فمن حازها حاز الفنون .
       فينبغي لطالب العلم المبتدئ أن يتدرج في دراسة المتون  ، وبعلوم الأوائل ، ويبدأ بكتب المتون قبل الكتب المطولات ، فلا يستعجل الخطوات والقفز السريع في الطلب من أجل جني الثمار والقيام بالتدريس واعتلاء المنابر قبل التمكن  ، فالبناء على غير أس لا يبني ، والثمر من غير غرس لا يجني .


خامساً : آداب طالب العلم
1-             التودد والتلطف والتذلل للعالم : وفائدته أن العالم يظهر مكنون علمه لمن تودد إليه ، وألان له الجانب ، يقول الماوردي : « اعلم أن للمتعلم في زمان تعلمه ملقاً ( الملق :  الود واللطف الشديد وأَصله التليين ، وقيل الملق شدة لطف الود ، وقيل الترفق والمداراة ) ، وتذللاً ، إن استعملها غنم ، وإن تركها ندم ؛ لأن التملق للعالم يظهر مكنون علمه ، والتذلل له سبب لإدامة صبره ، وبإظهار مكنونه تكون الفائدة ، وباستدامة صبره يكون الإكثار » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص77)  

2-     تواضع المتعلم للعالم : بأن لا يأنف أن يتعلم العلم من صغير أو كبير، أو ممن هو دونه في منزلة الدنيا، فإن العلماء قد استحقوا التعظيم بعلمهم لا بالمال والقدرة .
يقول الماوردي : « و لا يمنعه من ذلك علو منزلته ، إن كانت له ، وإن كان العالم خاملاً (الخامل : الخفي الساقط الذي لا نباهة له يقال هو خامل الذكر )، فإن العلماء بعلمهم قد استحقوا التعظيم ، لا بالقدرة والمال »( الماوردي ، 1405هـ ،ص78)  
3-     الاقتداء بالعلماء في علمهم وأخلاقهم : حتى يألفها ، وينشأ عليها ، يقول الماوردي : « وليكن مقتدياً بهم في رضى أخلاقهم ، متشابهاً بهم في جميع أفعالهم ، ليصير لهم آلفاً ، وعليها ناشئاً ، ولما خالفها مجانباً » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص78)  
4-             احترام العالم وتقديره واحتشامه : والحذر من التسلط عليه ، يقول الماوردي : « وليحذر المتعلم التبسيط ( الانبساط : ترك الاحتشام ) على من يعلمه ، وإن آنسه ، والادلال (الادلال : فلان يدل عليك بصحبته إدلالاً ودلالاً ودالة أي يجترئ عليك ) عليه وإن تقدمت صحبته » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص78)  


سادساً : ما يجب على العلماء من الأخلاق :
1-             التواضع مجانبة العجب ، لأن التواضع عطوف ، والعجب منفر( الماوردي ، 1405هـ ،ص82)  
2-             العمل بعلمه ، وحث النفس على أن تأتمر بما يأمر به ( الماوردي ، 1405هـ ،ص87)  
3-             أن يجتنب أن يقول ما لا يفعل ، وأن يأمر بما لا يأتمر ، وأن يسر غير ما يظهر ( الماوردي ، 1405هـ ،ص89)  
4-             أن لا يبخلوا بتعليم ما يحسنون ، ولا يمتنعوا من إفادة ما يعملون ، فإن البخل به لؤم وظلم ، والمنع منه حسد وإثم . ( الماوردي ، 1405هـ ،ص90)  

5-             أن يقصدوا وجه الله بتعليم من علموا ، ويطلبوا ثوابه بإرشاد من أرشدوا ، من غير أن يعتاضوا عليه عوضاً ، ولا يلتمسوا عليه رزقاً ( الماوردي ، 1405هـ ،ص97)  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق