الفصل السادس
الآراء التربوية للماوردي في أدب النفس
تعلم الأدب أمر ضروي للمسلم في جميع
أحواله ، مع الله سبحانه وتعالى ، ومع النفس ، ومع الناس ، فهو شامل لكل حياة
المسلم ، ولبيان أهمية الأدب يقول
الماوردي : « النفس
مجبولة على شيمٍ مهملةٍ ، وأخلاق مرسلة ، لا يستغني محمودها عن التأديب ، ولا يكتفِي
بالمرضي منها عن التهذيب ؛ لأن لمحمودها أضداداً مقابلةً يسعدها هوى مطاع وشهوة غالبة
، فإن أغفل تأديبها تفويضاً إلى العقل أو توكلاً على أن تنقاد إلى الأحسن بالطبع أعدمه
التفويض درك المجتهدين ، وأعقبه التوكل ندم الخائبين ، فصار من الأدب عاطلاً ، وفي
صورة الجهل داخلاً ؛ لأن الأدب مكتسب بالتجربة ، أو مستحسن بالعادة ، ولكل قومٍ مواضعة » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص241)
قواعد
تعلم الأخلاق
يذكر الماوردي
قواعد يلزم مراعاتها لاكتساب الأخلاق والآداب الفاضلة وهي ستة قواعد :
1- مجانبة
الكبر والاعجاب : « لأنهما
يسلبان الفضائل ، ويكسبان الرذائل ، فالكبر فيكسب المقت ويلهي عن
التألف ويوغر صدور الإخوان ، وحسبك بذلك سوءاً عن استقصاء ذمه .
وأما
الإعجاب فيخفي المحاسن ويظهر المساوئ ويكسب المذام ويصد عن الفضائل » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص246 - 247)
2-
حسن
الخلق : «حسن الخلق أن يكون سهل العريكة ، لين
الجانب ، طليق الوجه ، قليل النفور ، طيب الكلمة ، فإذا
حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه ، وقل معادوه ، فتسهلت عليه الأمور الصعاب ، ولانت له
القلوب الغضاب » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص252)
وقد يحدث للأخلاق أن تتغير في الانسان ،
يقول الماوردي : « وربما تغير حسن الخلق والوطاء إلى الشراسة
والبذاء لأسبابٍ عارضةٍ ، وأمورٍ طارئةٍ ، تجعل اللين خشونةً والوطاء غلظةً والطلاقة
عبوساً » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص254) ، وهذا
التغير له أسباب عن الماوردي:
أسباب
تغير الأخلاق ( الماوردي ، 1405هـ ،ص254 – 256 ) :
أ-
الولاية : التي
تحدث في الأخلاق تغيراً ، وعلى الخلطاء تنكراً ، إما من لؤم طبع ، وإما من ضيق صدر .
ب- العزل
: فقد
يسوء به الخلق ويضيق به الصدر إما لشدة أسف أو لقلة صب .
ت- الغنى
: فقد
تتغير به أخلاق اللئيم بطراً ، وتسوء طرائقه أشراً.
ث- الفقر
: فقد
يتغير به الخلق إما أنفةً من ذل الاستكانة أو أسفاً على فائت الغنى
ج-
الأمراض: التي
يتغير بها الطبع ما يتغير بها الجسم ، فلا تبقى الأخلاق على اعتدالٍ ولا يقدر معها
على احتمال
.
ح-
علو السن وحدوث الهرم : لتأثيره
في آلة الجسد كذلك يكون تأثيره في أخلاق النفس .
خ-
البغض :الذي
تنفر منه النفس فتحدث نفوراً على المبغض ، فيؤول إلى سوء خلقٍ يخصه دون غيره
3-
الحياء
الحياء
: بالمد التوبة والحشمة
، وقال الراغب هو انقباض النفس عن القبائح ( الزبيدي )
يقسم
الماوردي الحياء في الانسان إلى ثلاثة أوجه ( الماوردي ، 1405هـ ،ص258 – 260 ):
الوجه
الأول : حياؤه من اللّه تعالى : يكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره .
الوجه الثاني حياؤه من الناس
فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح .
الوجه الثالث : حياؤه من نفسه
فيكون بالعفة وصيانة الخلوات .
فمتى كمل حياء الإنسان من وجوهه
الثلاثة ، فقد كملت فيه أسباب الخير ، وانتفت عنه أسباب الشر ، وصار بالفضل مشهوراً
، وبالجميل مذكوراً .
4-
الحلم
والغضب
الحلم : الأناة و ضبط النفس
و العقل (مصطفى
، إبراهيم وآخرون ، 1392هـ ، ج1 ، ص406) ، ويقول
الماوردي عن الحلم بأنه : « من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي
الألباب ؛ لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص261)
ويرى الماوردي أن حد الحلم
هو: « ضبط
النفس عن هيجان الغضب » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص261)
وهناك عشرة
أسباب باعثة على ضبط النفس ذكرها الماوردي وهي ( الماوردي ، 1405هـ ،ص262 - 265) :
أ-
الرحمة للجهال وذلك من خيرٍ
يوافق رقة
.
ب- القدرة
على الانتصار وذلك من سعة الصدر وحسن الثقة .
ت- الترفع
عن السباب وذلك من شرف النفس وعلو الهمة .
ث- الاستهانة
بالمسيء وذلك عن ضرب من الكبر والإعجاب .
ج- الاستحياء
من جزاء الجواب .وهذا يكون من صيانة النفس وكمال المروءة .
ح- التفضل
على السباب .فهذا يكون من الكرم وحب التألف ، كما قيل للإسكندر : إن فلاناً وفلاناً
ينقصانك ويثلبانك فلو عاقبتهما .
خ- استنكاف
السباب وقطع السباب .وهذا يكون من الحزم ، كما حكي أن رجلاً قال لضرار بن القعقاع
: واللّه لو قلت واحدةً لسمعت عشراً .
د-
الخوف من العقوبة على الجواب
.وهذا يكون من ضعف النفس وربما أوجبه الرأي واقتضاه الحزم .
ذ-
الرعاية ليدٍ سالفةٍ ، وحرمةٍ
لازمةٍ .وهذا يكون من الوفاء وحسن العهد ، وقد قيل في منثور الحكم : أكرم الشيم أرعاها
للذمم .
ر-
المكر وتوقع الفرص الخلفية
.وهذا يكون من الدهاء .
الغضب
: استجابة
لانفعال تتميز بالميل إلى الاعتداء (مصطفى ، إبراهيم وآخرون ، 1392هـ ، ج2 ، ص219)
فالغضب خلق ذميم
، ونزغة من نزغات الشيطان ، يقع بسببه الإنسان في السيئات والمصائب، ويبين
الماوردي الأسباب التي تسكن الغضب إذا هجم على الإنسان ومنها ( الماوردي ، 1405هـ ،ص268 - 269) :
1-
أن يذكر اللّه عز وجل فيدعوه
ذلك إلى الخوف منه
ويبعثه
الخوف منه على الطاعة له ، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه .فعند ذلك يزول الغضب .
2-
أن ينتقل عن الحالة التي هو
فيها إلى حالة غيرها ، فيزول عنه الغضب بتغير الأحوال ، والتنقل من حال إلى حال .
3-
أَن يذكر ثواب العفو ، وجزاء
الصفح ، فيقهر نفسه على الغضب رغبةً في الجزاء والثواب ، وحذراً من استحقاق الذم والعقاب
.
4-
أَن يذكر انعطاف القلوب عليه
، وميل النفوس إليه ، فلا يرى إضاعة ذلك بتغير الناس عنه فيرغب في التَأَلف وجميل الثناء
.
5-
الصدق والكذب
الصِّدْقُ
: هو الإخبار عن الشيء على ما هو عليه . ( الماوردي ، 1405هـ ،ص268 - 269)
وللصدق دواعي نافعة
، منها : ( الماوردي ، 1405هـ ،ص271 )
أ-
العقل : لأَنه
موجب لقبح الكذب ، لا سيما إذا لم يجلب نفعاً ولم يدفع ضرراً .والعقل يدعو إلى فعل
ما كان مستحسناً ، ويمنع من إتيان ما كان مستقبحاً .
ب- الدين
: الوارد
باتباع الصدق وحظر الكذب ؛ لأن الشرع لا يجوز أن يرد بإرخاص ما حظره العقل ، بل قد
جاء الشرع زائداً على ما اقتضاه العقل من حظر الكذب ؛ لأن الشرع ورد بحظر الكذب وإن
جر نفعاً أو دفع ضرراً .والعقل نما حظر ما لا يجلب نفعاً ولا يدفع ضرراً .
ت- المروءة
: فإنها
مانعة من الكذب باعثة على الصدق ؛ لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرهاً ، فأولى من
فعل ما كان مستقبحاً .
ث- حب
الثناء والاشتهار بالصدق : حتى لا يرد عليه قول ولا يلحقه
ندم.
والكذب
: هو الإخبار
عن الشيء بخلاف ما هو عليه ( الماوردي ، 1405هـ ،ص271 )
وللكذب
دواعي غير نافعة منها ( الماوردي ، 1405هـ ،ص272 - 273 ) :
أ-
اجتلاب النفع واستدفاع الضر
، فيرى أَن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغتراراً بالخدع ، واستشفافاً للطمع
.وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف ؛ لأن القبيح لا يكون حسناً والشر لا
يصير خيراً .
ب- أَن
يؤثر أن يكون حديثه مستعذباً وكلامه مستظرفاً ، فلا يجد صدقاً يعذب ولا حديثاً يستظرف
، فيستحلي الكذب الذي ليست غرائبه معوزةً ، ولا ظرائفه معجزةً .وهذا النوع أسوأ حالاً
مما قبل ؛ لأنه يصدر عن مهانة النفس ودناءة الهمة .
ت- أَن
يقصد بالكذب التشفي من عدوه فيسمه بقبائح يخترعها عليه ، ويصفه بفضائح ينسبها إليه
.ويرى أَن معرة الكذب غنم وأن إرسالها في العدو سهم وسم .وهذا أسوأ حالاً من النوعين
الأولين ؛ لأنه قد جمع بين الكذب المعر والشر المضر .
ث- أن تكون
دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها ، فصار الكذب له عادةً ، ونفسه إليه منقادة ،
حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه ؛ لأن العادة طبع ثان .وقد قالت الحكماء : من استحلى
رضاع الكذب عسر فطامه .
6-
الحسد والمنافسة
يصف الماوردي الحسد بأنه : « خلق ذميم مع إضراره
بالبدن وفساده للدين ، حتى لقد أمر اللّه بِالاستعاذة من شره ، فقال تعالى : )وَمِنْ
شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( (سورة الفلق : 5 )
والحسد مصروف إلى
الضرر ؛ لأن غايته أن يعدم الأفاضل فضلهم ، من غير أن يصير الفضل له ، فهذا الفرق بين
المنافسة والحسد » ( الماوردي ، 1405هـ ،ص277 )
ولما كان الحسد من الأخلاق المذمومة، والطبائع اللئيمة ، ومن كبائر الذنوب التي تستوجب
سخط الله وعقابه ، بين الماوردي الدواعي الحاسد للحسد
دواعي
الحسد ( الماوردي ، 1405هـ ،ص279 ):
أ-
بغض المحسود فيأسى عليه بفضيلةٍ
تظهر ، أو منقبةٍ تشكر ، فيثير حسداً قد خامر بغضاً .
وهذا
النوع لا يكون عاماً وإن كان أضرها ؛ لأنه ليس يبغض كل الناس
ب- أن يظهر
من المحسود فضل يعجز عنه فيكره تقدمه فيه واختصاصه به ، فيثير ذلك حسداً لولاه لكف
عنه .
وهذا
أوسطها ؛ لأنه لا يحسد الأكفاء من دنا ، وإنما يختص بحسد من علا .
ت- أَن
يكون في الحاسد شح بالفضائل ، وبخل بالنعم وليست إليه فيمنع منها ، ولا بيده فيدفع
عنها ؛ لأنها مواهب قد منحها اللّه من شاء فيسخط على اللّه عز وجل في قضائه ، ويحسد
على ما منح من عطائه ، وإن كانت نعم اللّه عز وجل عنده أكثر ، ومنحه عليه أظهر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق